الامير عبد القادر الجزائري
قادة لا تنسى
هو عبد القادر
الجزائري أو الأمير عبد القادر مُؤَسِّس الدولة الجزائرية الحديثة، عالِمُ دينٍ، شاعر،
فيلسوف، سياسي ومحارب في آنٍ واحدٍ، اشتهر بمناهضته للاحتلال الفرنسي للجزائر. نسب
عبد القادر الجزائري هو الأمير عبد القادر بن الأمير محيي الدين بن مصطفى بن محمد بن
المختار بن عبد القادر بن أحمد بن محمد بن عبد القوي بن يوسف بن أحمد بن شعبان بن محمد
بن إدريس الأصغر بن إدريس الأكبر بن عبد الله (الكامل) بن الحسن (المثنى) بن الحسن
(السبط) بن فاطمة بنت محمد رسول الإسلام –صلى الله عليه وسلم- وزوجة علي بن أبي طالب
ابن عمِّ الرسول –صلى الله عليه وسلم، يرجع أصله إلى الأدارسة الذين حكموا المغرب في
القرن التاسع.
نشأت عبد القادر الجزائري
وُلِدَ عبد القادر الجزائري في (23 من رجب 1222هـ=
مايو 1807م)، وذلك بقرية القيطنة بوادي الحمام من منطقة معسكر بالجزائر، ثم انتقل والده
إلى مدينة وهران. لم يكن محيي الدين والد الأمير عبد القادر هملًا بين الناس؛ بل كان
ممَّنْ لا يسكتون على الظلم، فكان من الطبيعي أن يصطدم مع الحاكم العثماني لمدينة وهران؛
وأدَّى هذا إلى تحديد إقامة الوالد في بيته، فاختار أن يخرج من الجزائر كلها في رحلة
طويلة. كان الإذن له بالخروج لفريضة الحج عام (1241هـ= 1825م)، فخرج الوالد واصطحب
ابنه عبد القادر معه، فكانت رحلة الأمير عبد القادر إلى تونس ثم مصر ثم الحجاز ثم البلاد
الشامية ثم بغداد، ثم إلى الحجاز، ثم العودة إلى الجزائر مارًّا بمصر وبرقة وطرابلس
ثم تونس، وأخيرًا إلى الجزائر من جديد عام (1243هـ= 1828م)، فكانت رحلة تَعَلُّم ومشاهدة
ومعايشة للوطن العربي في هذه الفترة من تاريخه، وما لبث الوالد وابنه أن استقرَّا في
قريتهم قيطنة، ولم يمضِ وقت طويل حتى تعرَّضت الجزائر لحملة عسكرية فرنسية شرسة، وتمكَّنت
فرنسا من احتلال العاصمة فعلًا في (المحرم 1246هـ= 5 من يوليو 1830م)، واستسلم الحاكم
العثماني سريعًا، ولكنَّ الشعب الجزائري كان له رأي آخر.
اضطرت فرنسا إلى
عقد اتفاقية هدنة مع الأمير عبد القادر؛ وهي اتفاقية «دي ميشيل» في عام (1250هـ=
1834م)، وبهذه الاتفاقية اعترفت فرنسا بدولة الأمير عبد القادر؛ وبذلك بدأ الأمير عبد
القادر في الاتِّجاه إلى أحوال البلاد يُنَظِّم شئونها ويُعَمِّرها ويُطَوِّرها، وقد
نجح الأمير في تأمين بلاده إلى الدرجة التي عَبَّر عنها مُؤَرِّخ فرنسي بقوله: «يستطيع
الطفل أن يطوف ملكه منفردًا على رأسه تاج من ذهب، دون أن يُصيبه أذًى!!». وعندما تولَّى
عبد القادر الإمارة كان الوضع الاقتصادي والاجتماعي صعبًا، لم يكن لديه المال الكافي
لإقامة دعائم الدولة، بالإضافة إلى ذلك كان له معارضون لإمارته؛ ولكنَّه لم يفقد الأمل؛
إذ كان يدعو باستمرارٍ إلى وَحْدَة الصفوف، وتَرْكِ الخلافات الداخلية، ونَبْذِ الأغراض
الشخصية، وكان يعتبر منصبه تكليفًا لا تشريفًا، وفي نداء له بمسجد معسكر خطبَ قائلًا:
«إذا كنتُ قد رضيتُ بالإمارة؛ فإنَّما ليكون لي حقُّ السير في الطليعة والسيرِ بكم
في المعارك في سبيل الله، الإمارةُ ليست هدفي؛ فأنا مستعدٌّ لطاعة أيِّ قائد آخر تَرَوْنَهُ
أجدرَ منِّي، وأقدر على قيادتكم؛ شريطة أن يلتزم خدمة الدِّينِ وتحرير الوطن».
يبدأ الأمير سياسة
جديد في حركته؛ إذ يُسارع في تجميع مُؤَيِّديه من القبائل، ولمَّا أراد الاستعانة بشيوخ
الطريقة التيجانيَّة في طرد الفرنسيين، رفضوا الانخراط في جيشه، تمشِّيًا مع رُوح صوفيَّتِهم
التي تأبى التدخُّل في السياسة، فقام بعدَّة حملات على مركز التيجانيَّة في عين ماضي
التي قاومت هذه الحملات. وعندما غدر به الفرنسيُّون سنة (1251هـ= 1835م) وخرقوا معاهدة
دي ميشيل، حاولوا التفريق بينه وبين رجاله، ولكنهم باءوا بالفشل، فاستخدموا أسلوب الحرب
التخريبيَّة بتدمير المحاصيل الزراعيَّة، وتدمير المدن الرئيسيَّة، وأقصوه بعد أربع
سنوات من النضال، إلَّا أنه لم يستسلم، والتجأ مع إخوانه إلى مَرَّاكُش سنة (1259هـ=
1843م)، ثم عاد إلى الجزائر، وقاد حركة الأنصار. هُزم الأمير عبد القادر بالخيانة شأن
كل معارك المقاومة في العالم الإسلامي، فهاجمته العساكر المراكشيَّة من خلفه، فرأى
من الصواب الجنوح للسلم، وشاور أعيان المجاهدين على ذلك، وأَسَرَهُ المحتلُّون سنة
(1263هـ= 1847م) وأرسلوه إلى فرنسا.
ظلَّ الأمير عبد
القادر في سجون فرنسا يعاني من الإهانة والتضييق حتى عام (1268هـ= 1852م)، ثم استدعاه
نابليون الثالث بعد تولِّيه الحكم، وأكرم نزله، وأقام له المآدب الفاخرة ليُقَابِلَ
وزراء ووجهاء فرنسا، ويتناول الأميرُ الحديث في كافَّةَ الشئون السياسية والعسكرية
والعلمية؛ ممَّا أثار إعجاب الجميع بذكائه وخبرته، ودُعي الأمير لكي يتَّخذ من فرنسا
وطنًا ثانيًا له، ولكنه رفض، ورحل إلى الشرق براتب من الحكومة الفرنسية. توقَّف في
إسطنبول حيث السلطان عبد المجيد، والتقى فيها بسفراء الدول الأجنبية، ثم استقرَّ به
المقام في دمشق منذ عام (1272هـ= 1856م)، وفيها أخذ مكانة بين الوجهاء والعلماء، وقام
بالتدريس في المسجد الأموي، كما قام بالتدريس قبل ذلك في المدرسة الأشرفية، وفي المدرسة
الحقيقية. وفي عام (1276هـ= 1860م) تتحرَّك شرارة الفتنة بين المسلمين والمسيحيين في
منطقة الشام، ويكون للأمير دور فعَّال في حماية أكثر من 15 ألفًا من المسيحيين؛ إذ
استضافهم في منازله.
وفاة
عبد القادر الجزائري
وافاه الأجل بدمشق
في منتصف ليلة (19 من رجب 1300هـ= 26 مايو 1883م) عن عمر يُناهز 76 عامًا، وقد دُفن
بجوار الشيخ ابن عربي بالصالحية بدمشق لوصية تركها، وبعد استقلال الجزائر نُقِلَ جثمانه
إلى الجزائر عام (1385هـ= 1965م)، ودُفن في المقبرة العليا، وهي المقبرة التي لا يُدفن
فيها إلَّا رؤساء البلاد.
تعليقات
إرسال تعليق